محرر المحتوى

​​
​​


​​​

​​​

نظرة متعمقة على أشباه الموصلات: هل تكون النفط القادم؟

إدارة دراسات السوق



النقص في أشباه الموصلات

تواجه صناعة السيارات نقصًا في الإمدادات من أشباه الموصلات منذ عام 2020م. وتختلف الأسباب الكامنة وراء هذا النقص المستمر، غير أن أهم تلك الأسباب يتمثّل في جائحة كورونا(كوفيد 19). ويُعزى ذلك إلى العام 2020م مع انخفاض الطلب من الشركات المصنعة للسيارات على الرقائق الالكترونية بسبب عمليات الإغلاق التي سادت العديد من المناطق في جميع أنحاء العالم. وأدى ذلك إلى انخفاض الطلب من قطاع السيارات وتوقف إنتاج السيارات ومبيعاتها لأسابيع.
ومن ناحية أخرى، أدت عمليات الإغلاق إلى زيادة الطلب على أجهزة الحاسب الآلي المحمولة، والهواتف الذكية، وغيرها من الأجهزة اللوحية الأخرى، حيث احتاج ملايين الأشخاص إلى العمل عن بُعد. واستجابةً لذلك، عمل مصنعو أشباه الموصلات، وعلى رأسهم رائدة صناعة أشباه الموصلات العالمية شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة، على تحويل تركيزهم نحو تلبية طلب صناعة الإلكترونيات بدلاً من صناعة السيارات. ومع عودة العمل جزئيًا في أواخر عام 2020م، عاود الطلب في قطاع صناعة السيارات ارتفاعه، مما أدى إلى زيادة عمليات التوريد ومن ثم نشأت الاختناقات في سلسلة التوريد.
وهناك أيضا أحداث أخرى أسهمت في ذلك النقص بين عاميّ 2021-2022م. في فبراير، أثرت عاصفة ثلجية ضربت ولاية تكساس على بعض أهم الموردين مثل إن إكس بي وإنفينيون وسامسونج وفي الشهر الذي تلاه، نشب حريق كبير في شركة رينيساس إلكترونيكس اليابانية. كما طبّقت ماليزيا حيثما تُجمَّع معظم وحدات التحكم المصغرة إغلاقًا جديدًا، وذلك خلال أشهر الصيف من العام ذاته. وعقب ذلك، طبّقت شنغهاي أيضًا إغلاقًا خلال ربيع عام 2022م. وفي ظل تلك الأحداث، أصبح من الصعب إنتاج الملايين من المركبات بسبب ذلك النقص في الإمدادات. فاضطر العديد من مصنعي السيارات في جميع أنحاء العالم إلى إيقاف العمليات لعدة أسابيع.
تسببت كذلك الحرب الروسية الأوكرانية في أوائل عام 2022م والتوترات الحالية بين الولايات المتحدة والصين بشأن مسألة تايوان في مزيدٍ من الاضطرابات في سلسلة التوريد. ونتيجةً لذلك، بلغ النقص في أشباه الموصلات ذروته إلى مستوى غير مسبوق. ونظرًا لأن تايوان موطن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات - أكبر مصنع لأشباه الموصلات في العالم - فإن أي تصعيد حول تايوان يُؤثر بشدة على جميع صناعات التقنية الحديثة، وفي مقدمتها صناعة السيارات.
 لماذا تعتبر أشباه الموصلات مهمة ومن هم رواد الصناعة؟ تُمثل أشباه الموصلات أساس التقنية الحديثة إذ تدخل في العديد من الأنشطة، من الهواتف المحمولة إلى المركبات الفضائية، وتتمتع التقنيات القائمة على أشباه الموصلات، مثل التقنية العصبية وتقنية الكم والحوسبة والذكاء الاصطناعي، بالقدرة على تغيير مسار تاريخ البشرية.
​ بلغ حجم سوق أشباه الموصلات العالمي 600 مليار دولار في 2021م ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول 2030م. وتعتمد هذه الصناعة على المصاهر، وهي سوق قُدِّرَت قيمتها بنحو 80 مليار دولار في 2021م. ووفقًا لمحللي وكالة أي سي إنسايتس، شهدت مبيعات المصاهر زيادةً بأكثر من 20٪ سنويا في عاميّ 2020 و 2021م ومن المتوقع أن تتجاوز 20٪ في 2022م. إذ توجد معظم مصاهر أشباه الموصلات في آسيا.

chartar.png​ الشكل 1: شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات رائدة صناعة تقنية الرقائق المتقدمة المصدر: باين / إنسايتس / جارتنر​

شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات الشركة الرائدة في السوق، وتستحوذ على نصيب كبير وحصة سوقية تبلغ 60 ٪ من إجمالي السوق. تصل هذه الحصة إلى 90٪ للرقائق المتطورة للغاية (أقل من 10 نانومتر). وتشمل قائمة الشركات المصنعة الأخرى سامسونج الكورية الجنوبية (تمتلك حصة سوقية تقدّر بـ 7٪ من السوق)، والشركة الصينية المتحدة للإلكترونيات الدقيقة (تمتلك حصة سوقية تقدّر بـ 8٪ من السوق) والمؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات (تمتلك حصة سوقية تقدّر بـ5٪ من السوق)، والمصهر العالمي الأمريكي (تمتلك حصة سوقية تقدّر بـ 8٪ من السوق).
تضم منطقة آسيا والمحيط الهادئ تسعة من أكبر 12 مصنعًا للمصاهر وذلك حتى 2021م. ونتيجة لهشاشة سلسلة توريد أشباه الموصلات، بالإضافة إلى التوترات الجيوسياسية، وتوقعات الطلب الهائل، عملت القوى الصناعية على الاستجابة إلى تلك المتغيرات ووصلت إلى هذا الحد من الطلب.

القوى الصناعية تلحق بالركب

تعد الولايات المتحدة مسقط رأس صناعة أشباه الموصلات، وكانت في يومٍ من الأيام واحدة من أكبر منتجي أشباه الموصلات، حيث غطى إنتاجها ما يقارب 40% من الطلب العالمي منذ عقدين إلى ثلاثة عقود. أما حاليًا فقد تراجعت قدراتها في صناعة الرقائق، وتبذل جهودًا للحاق بالركب والعودة إلى المنافسة. في يوليو 2022م، أصدر الكونجرس قانونًا لدعم صناعة الرقائق الإلكترونية (تخصيص حوافز لإنتاج أشباه الموصلات تُقدّر بأكثر من 52 مليار دولار). وينص قانون الرقائق المذكور على تخصيص مِنح لتصنيع أشباه الموصلات، واستثمارات بحثية، وائتمان ضريبي استثماري للمصنعين.
وتخطط أوروبا أيضًا للّحاق بالركب من خلال قانون الرقائق الأوروبي الذي اقترحته المفوضية الأوروبية. وفي إطار ذلك القانون، خُصِّصَت استثمارات تتجاوز 43 مليار دولار مدعومة بسياسات لدعم هذه الصناعة حتى عام 2030م، يقابلها استثمارات خاصة طويلة الأجل.
وكذلك، تحاول اليابان - التي كانت فيما مضى رائدًا عالميًا في تصنيع الرقائق - العودة أيضًا إلى المنافسة، حيث وضعت سياسات لدعم صناعة أشباه الموصلات تتطلب استثمارات بما لا يقل عن 78 مليار دولار. وفي يونيو 2022م، أعلنت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة عن منحة قدرها 3.5 مليار دولار لبناء مصهر لصناعة الرقائق في كيوشو بقيمة 8.6 مليار دولار . ويُمثل هذا المصنع الذي يُتوَقّع أن يبدأ الإنتاج بحلول نهاية 2024م، الخطوة الأولى في عودة اليابان إلى المنافسة.

chart2ar.png​​​​

يشهد الوقت الحالي إعادة تشكيل مشهد جيوسياسي جديد من خلال جهود الولايات المتحدة واليابان وحلفائهم. فمن الناحية التجارية، ينقسم العالم إلى معسكرين: يضم المعسكر الأول الولايات المتحدة وحلفائها (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرهم)، بينما يضم المعسكر الثاني الصين وروسيا وحلفائهما. ولا تكاد تجد هذه القطبية الثنائية إلا في صناعة أشباه الموصلات. قال كازومي نيشيكاوا، مسؤول بوزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية: "لقد ولى العصر الذي كان يسوده السلام في العالم، حيث لم يكن يهُم من يزودنا بأشباه الموصلات".

ماذا عن المملكة؟

واجهت المملكة التأثير الناتج عن الاضطرابات في سلسلة توريد أشباه الموصلات والتحولات الجيوسياسية الجديدة والاستراتيجيات الصناعية التي وضعتها القوى الصناعية مثل الولايات المتحدة واليابان. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب المحلي على أشباه الموصلات نتيجة النمو في العديد من القطاعات، على سبيل المثال، قطاعات السيارات والفضاء والصناعات العسكرية والاتصالات والذكاء الصناعي وذلك في إطار تحقيق أهداف رؤية 2030، ويمكن للمملكة أن تصبح مركزًا إقليميًا في الشرق الأوسط لهذه الصناعة من خلال الاستفادة من موقعها الاستراتيجي بين آسيا وأوروبا، وبذلك، يمكن أن تحقق توازنًا عالميًا على المدى المتوسط إلى البعيد بين المصادر العالمية لأشباه الموصلات.
ثمة مزايا لا حصر لها لإنشاء وتطوير صناعة أشباه الموصلات المحلية في المملكة. أولاً، سيكون لذلك آثار اقتصادية قوية (على سبيل المثال، نمو الناتج المحلي الإجمالي، والميزان التجاري، وتوفير فرص العمل، والتعاون مع القطاعات الأخرى) ثانياً، وهو الأهم، فإن تأمين سلسلة توريد أشباه الموصلات سيمكّن من تطوير قطاعات استراتيجية في المملكة. ويتطلب هذا الجهد التغلب على تحديات بالغة، مثل الوصول إلى تصميم الرقائق (بامتلاك حقوق الملكية الفكرية)، واستثمار النفقات الرأسمالية الكبيرة في المصانع، والوصول إلى مرحلة الإنتاج الضخم، وتطوير قدرات الموارد البشرية، وتنمية المعرفة. ومن ناحيةٍ أخرى، فإن هناك إشارات إيجابية واعدة إذ تضع المملكة برامجًا للتحول نحو النفط القادم (صناعة أشباه الموصلات).


​إخلاء مسؤولية: إن المعلومات المشمولة في هذا التقرير معدة لأغراض المعلوما​ت العامة فقط، وتم تقديم هذه المعلومات من قبل الصندوق، حيث يحرص الصندوق على صحة المعلومات إلا أنه لا يقدم أية إقرارات أو تعهدات من أي نوع كان، سواء بشكل صريح أو ضمني، فيما يتعلق بتمام، أو دقة، أو موثوقية أو ملائمة المعلومات أو المنتجات أو الخدمات أو الرسومات ذات الصلة في النشرة لأي غرض كان. ولذلك فإن اعتمادكم على هذه المعلومات يكون بشكل تام على مسئوليتكم. لا يتحمل صندوق التنمية الصناعية السعودي أي التزام أو مسؤولية من أ​ي نوع عن أي أخطاء أو سهو في محتوى هذا التقرير ويتنصل كذلك من أي مسؤولية من أي نوع عن أي خسارة مهما كانت سببها فيما يتعلق باستخدام هذا التقرير. المواد والمعلومات الواردة في هذا التقرير عرضة للتغيير في أي وقت دون إشعار مسبق.




​​​​



​​​


​​